الخميس، 30 يوليو 2009

صباح بمذاق مختلف

"أن تعرف هذا شئ"
"أما أن تفهم وتعي لهو شئ مختلف تماماً"

حين قرأت تلك الجملة المنطقية على غرابتها
أدركت تلك الحقيقة فقد شعرت أنها أنارت أمامي فجأة
وأنا أجلس فى ركنى المفضل بجوار شباك غرفة نومى
أتأمل السماء بتوزيعات الإضاءة عليها
وأشكال السحاب وتوزيعاته بإيحاءات تستغرقنى تماماً وتداعب خيالى بطُرق ملتوية
والأشجار تتلاعب بها نسمات خفيفة ندية
تلك النسمات التى ما زلت تثير قشعريرة لذيذة فى أنحاء جسدى لتُشعرنى بالحياة تسرى وتتغلغل بداخلى

تلك هى المناظر التى تطل عليها نافذة غرفة نومى
هذا المنظر الصباحى يسحرنى لدرجة اكتفائي بالنوم لفترة قصيرة لا تزيد عن 4 ساعات فى يوم إجازتى الأسبوعى الوحيد والاستيقاظ مبكراً لاستماع بهذا المنظر الذى أعشقه ولا أمل منه أبداً
كم يؤثر فيّ ويثير فى نفسى مختلف المشاعر والتأملات التى تسرى بداخلى وتغسلنى برقة لأعود أنا كما كانت نفسى فى اللحظات التى أعرفها وأحبها

والعجيب أننى حين تأملت تلك الحقيقة التى سطعت فجأة أمامى
اكتشفت اكتشاف أذهلنى
فقد أدركت فجأة أننى أنظر إلى الأشياء فقط ولكن لا أسمح لنفسى برؤيتها

ولذلك وفى هذا الصباح الرائع وبعد الكثير والكثير من التفكير والتأمل والدهشة
قررت أن أودع عين النظر للأبد
وأعتمد عين الرؤيا لما تبقى لى من العمر

لماذا؟؟؟!!!؟؟؟
لا أعلم لماذا
كل ما أعلمه أنى شعرت فجأة كم أفتقد الشئ عندما أنظر فقط ولا أراه
ولا أشعر به، ولا أدعه يتغلغل فى داخلى لامساً أعماقى محركاً مشاعرى
أفتقد تأثيره عليّ وعلى مشاعرى وإدراكى وأحاسيسى
أما أن أؤثر أنا به أم لا فهذا موضوع آخر لن أناقشه الآن

يا الله كم أفتقد الشعور بآلاف من المعجزات الصغيرة التى تحدث كل لحظة من حولى وأنا فقط أنظر ولا أرى وأحرم نفسى ببساطة من الشعور بالحياة تدب من حولى تحسباً لانتقال دبيبها لداخلى فتتململ روحى وتستفيق ذاتى وتتمرد عليّ وعلى سجنها الصغير المظلم التى ألزمتها به


فكم من مرة نظرت للسماء وهى تمطر
يا الله كم أعشق المطر
أحب ملمسه على جلدى حيث ينساب ليفتح مسامى ليباركنى ويطهرنى
ولكن كم مرة رأيت تلك الحبات الصغيرة من المطر والقادرة على صغرها أنها تغسل الكون كله لتعيد إليه جماله وصفائه وبراءته وطهره بل وتزيده جمال وبهاء
أليست عظيمة تلك القطرات التى تؤثر حتى فى الصخور الصماء ذاتها فتنحت مجرى بها بطول صبرها فى تتابع تساقطها عل تلك الصخور
ألا تستحق وقفة تأمل واحترام وخشوع وتواصل
ألم تسطيع تلك الحبات الصغيرة ما أعجز غالبية البشر
لقد تركت أثر واضح وملموس وباقى على صخرة الحياة بعد أن ذهبت

كم مرة نظرت للشمس تُشرق
كم أعشق شروق الشمس وشعور اليوم الجديد
والذى أطمح دوماً أن يكون مختلف وسعيد
ولكن هل رأيت شعاع واحد من أشعتها الذهبية المتلألئة بالأمل؟
أو سمحت له بالنفاذ للسجن الصغير المظلم فى أعماقى والذى أرغم ذاتى أن تقبع به صاغرة
ليعيد لها الحياة والعافية بدفئه وأمله وتواصله معها

كم ادعيت عشقى لغروب الشمس
وكم نظرت للشمس وراقبتها تغرب فى أحضان البحر
ولكنى لم أرها أبداً وهى تلملم شتات أشعتها اللاهبة غضباً لتطفئها فى أحضان أمواج البحر
التى تحضنها بدورها فى رقة وحنان وتهدهدها لتهدئ من اشتعال لهيبها الغاضب
وتغسل حزنها وألمها وعجزها الذى نبت ونما مما عايشته مع آلامنا وأحزاننا وصراعاتنا وخيباتنا
التى حملناها بها من بدء شروقها علينا ولآخر لحظة أفول
لِما لم أسمح لها أبداً بحمل أحزانى وفشلى وخيباتى معها
علها تنجح فى إغراقها فى البحر للأبد فلا تعود تؤرقنى وتنغص عيشى كما اعتدت منها


ولكن ما أضحكنى حقاً
أننى كنت أستمتع ببراعتى فى التواصل مع مفردات الحياة والتأثر بها والشعور بوقعها داخلى وتحريكها لمشاعرى وأحاسيسى
ولكنى اكتشفت الآن سراب ما كنت أظن
اكتشفت أننى طوال الوقت أقف مجمدة على أول الطريق
وأخاف أن أكمل مشوارى تجاه التواصل والمعرفة والفهم والإدراك والوعى
كنت أغمض عيني وأترك نفسى للأشياء والحالات والكلمات لتقودنى عبر دهاليزها وثناياها، أتركها لتتواصل معى بحرية لتكشف لى خباياها ومكنوناتها

ولكن كل ذلك ضمن شروط وقواعد وضعتها وتمسكت بها بضيق أفق خانق
فمحظور أن تحاول الوصول لأعماقى حيث السجن المظلم الصغير
وحين تحاول النفاذ لداخلى ولمس أعماقى
أفتح عيني سريعاً لأوقفها
وأقطع الاتصال معها
مكتفية بالقشور التى حصلت عليها
فهل سأقوى على كسر تلك الشروط والقواعد
والتغلب على ضيق الأفق الخانق لنفسى قبل الأخرين؟
وهل أنا جادة حقاً فى البحث عن تلك النقطة
نقطة شروق ذاتى؟
Nashwa

ليست هناك تعليقات: